الحمد لله وحده، والصلاة على من لا نبيَّ بعده.أما بعد:
معشر الدعاة! أحييكم والتحايا مفاتيح القلوب، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
وبدون إطالة ومقدمات؛ فالجميع يدرك أنَّ الحج موسم وغنيمة، وفرصة وتجارة للدعاة في تبليغ دين الله لجميع الطَّبقات والمستويات. ومساهمةً مني في عطاء أكبرَ، وثمرة أجودَ، ونتاج أعظمَ، ونفع أقوى.
لذا؛ فهذه إشاراتٌ يسيراتٌ، ونُتَفٌ سريعاتٌ كتبتها على عَجَلٍ قد يَعتريها الخلل، وقد يَنْقُصُها جَوْدةُ الترتيب، وحسْن العبارة والأسلوب، فعذرا عذرا، وأستغفر الله من الزلل.
هي ذكرى، ولا بأس أن يُذَكِّرَ المفضولُ الفاضلَ.
آفاقٌ عملية للدعاة في الحج، وورقة عمل أقَدِّمُها لمشايخنا الأجلاء، ودعاتنا الفضلاء، وطلبة العلم النّبلاء.
فإليكها عبد الله، رضي الله عنا وعنك:
1- الإعداد الجيّد والمتميز والمؤثّر في الطَّرْح.
2- إعداد أكثرَ من موضوعٍ يتنقل بها الداعية في مساجدِ مكَّة والمشاعِرِ ومُخَيَّمَاتها؛ من أمور عقديّة، أو فقهيّة، أو وعظيّة، أو تربويّة.
3- مُراعاة أحوال المستمعين، فيَطرح ما يُناسبهم من المواضيع السَّابقة.
4- يُحاول الدّاعية قبل زيارة الْمخيَّم معرفة ما هي الفئة الغالبة من الناس؛ عوام أم شباب؟ وإن كانوا شبابا؛ فما صفتهم وأعمارهم؟ حتى يكون الطَّرْح مناسبا، فتفهمه القلوب، وتصل الرسالة التي يُريد ويُحاول معرفة ما طُرِحَ في المخيم أو المسجد، من محاضرات وكلمات؛ حتى لا يكون الطرح مُكَرَّرا، فتمله الأسماع، وتنشغل عنه القلوب والأبدان.
5- التَّنسيقُ الْمُسْبَقُ والترتيب المنظَّم، بحيث يجعل جزءا من اليوم أو يوما لعدة مساجدَ أو مخيماتٍ متقاربةٍ، وذلك بسبب قلَّة الوقت، وكثرة المخيمات وتباعدها، وصعوبة التنقلات. فإذا كان التنسيق جيدا والترتيب رائعا؛ استطاع الداعية -بإذن الله- أن يُحقق كثيرا من الزيارات واللقاءات.
6- محاولة استخدام بعض وسائلِ النَّقلِ السريعة؛ لئلا يَخْتَلَّ بَرنامج المواعيد، وحتى يكون العطاءُ أكبر واللقاءاتُ أكثرَ.
7- عدم إهمال المخيَّمات العربية وغير العربية من اللقاءات، ولو كلمات بعد الصلوات.
8- من الْمُشَاهَدِ والمعلوم: أن أصحاب المخيمات يَحرصون على أن يُرافقهم بعض طلبة العلم والدعاة؛ لكي يُجيب على أسئلتهم واستفساراتهم، ففي رأيي القاصر أن الداعية الزائر لا يُجيب على الأسئلة المتعلقة بالحج إذا وُجِدَ في المخيم مَنْ ذَكَرْتُ سابقا، وذلك له فوائدُ عِدَّةٌ:
أ. الإجابة على أكبرِ قدْرٍ من الأسئلة المتعلقة بغير الحج.
ب. أنك -في الغالب- تجد الحاجَّ قد سَأَلَ عن مسألتِه أكثرَ من شخصٍ؛ طلبا للاطمئنان أو تَتَبُّعًا للرُّخَصِ.
ج. بعدا عن إِحداث التشويش الذهنيِّ عند الحاجِّ؛ لأن جملةً من مسائلِ الحجِّ محلُّ خلافٍ، وخاصة حملات البلدان العربية الأخرى أو غير العربية للاختلاف المذهبي الفقهيّ.
د. محاولة الاستفادةِ مِمَّا تَبَقَّى من الوقتِ في أماكنَ أُخْرى.
9. محاولة التّعرّف عند زيارة الحملات عمَّن فيها منْ طلبة العلم والدعاة.
10. والجلوس معهم ولو لدقائقَ معدودةٍ للاستفادة والتواصُل المستقبليّ، وتبادل شيء من الآراء والأفكار والمواضيع، فقد يكونون من نفس البلد فيزداد التواصل، أو بلد آخر أو دولة أخرى فيتم التعارف، فلعلّك تلتقي بأحدِ الدعاة التي تَتَمَنَّى أن تلتقي به مما تسمع عنه أو له أو تقرأ عنه أو له.
11. يُلاحَظ أنَّ بعض الحملات مشتهرة باستضافة كبار الدعاة وطلبة العلم، وبعضها فقيرة بذلك، بل قد لا يَزورها أحدٌ، ففي ظنِّي تقدم الثانية في الإجابة والزيارة أَوْلَى، ولذا على الداعية أن يسأل عن برنامج الحملة في الاستضافات. وليكن إجابة تلك اللقاءات مَبْنِيَّة على المصالح العامة لا الخاصة.
12. على الدَّاعية وطالب العلم إذا دَعَتْه بعض الحملات للحجِّ معها أن يسأل مَنْ معها من الدعاة، فإن كان معها أحد؛ فليذهب للتي ليس معها أحد؛ حتى يتم النفع أكثر، ويستفيد أكبرُ عددٍ من الحملات من الدعاة وطلبة العلم من علمهم وتوجيههم، فما الفائدة حين يكون في الحملة الواحدة عددٌ من الدعاة، وفي المقابل أخرى ليس بها أحدٌ، والْحَكَمُ العقلُ لا العاطفة، والمصلحة العامة لا مراعاةَ الأشخاص ولا ننساقُ وراء بعض المخادعات والأساليب الملتوية، والإغراءات من بعض أصحاب الحملات معشر الدعاة! فالحذر الحذر.
13. إشكال: قد يَتَرَدَّدُ الداعية مع من يحج من الحملات؛ أيحج مع حملات بلده أم حملات من غير بلده؟ ففي رأيي أن ينظر إلى أمور:
أ. في أيِّهما سيكون أكثر نشاطًا وهمة.
ب. في أيِّهما سيكون له أثر إيجابيّ ورائع في نفوسهم.
ج. في أيِّهما الحاجة أكثر.
د. مراعاة فقه الأولويَّات.
14. نجد تضييق دائرة العقيدة والتوحيد عند الطَّرح في قضايا الشرك والتبرك الممنوع، مع أن التوحيد والعقيدة أشمل من ذلك كله، ولا نُهمل جانبا دون آخر، فليس من العقل والمنهجية والواقعية أن تَحْصُرَ له الإسلام والدين والعقيدة طيلة بقائه قبل الحج وأثناءه وبعده في قضيتين أو ثلاث، حتى يقول أحدهم: إن الدعاة يظنون أننا لا نعرف من التوحيد شيئا، وأن حياتنا شرك في شرك! فالتوازن مطلوب.
15. يحسن بالداعية قبل أن يَقْدِمَ على مسجد أو مخيَّم لتذكيرهم أن يَعْرِفَ جنسيتهم؛ ليأتي بمترجِم يُترجم للمستمعين حديثه، ويكون ذا ثقة وأمانة وعلم، حتى لا يخون أو يُلَبِّسَ أو يُخطئ في ترجمتِه، وحتى تبلغَ رسالته على أكمل وجه. فإنه يُلاحَظ أنَّ بعض الدعاة يقدم على مسجد أو مخيم ليتكلم، فيجد الغالب غير عرب، فيُلقي ولا مستفيد، أو يجد مترجما منهم مجهول الحال فيحاول قدْر المستطاع؛ يسدد، ويقارب، ويفيد.
16. زيارة الحجيج في أماكن نزولهم وإقامتهم.
17. وضع جدول لبرنامجه الدعوي يتضمن ما يلي:
أ. مكان المخيم بوضوح حتى لا يذهب الوقت في البحث.
ب. نوعية الحجاج.
ج. اليوم والوقت.
د. الموضوع.
ه. اسم المنسّق ورقم هاتفه.
18. يَحْسُنُ بالداعية أن يكون له رفيقٌ من طلبته أو الشباب الأخيار الثقات في برنامجه الدعوي؛ ليكون عونا له في كثير من الأمور، وحتى يُؤَدِّيَ رسالتَه على الوجهِ المطلوبِ دون خَلَلٍ أو كَلَلٍ أو مَلَلٍ.
19. يَحْسُنُ بالداعية أن يتأخر الثالث عشر ليَكْثُرَ نفعه.
20. زيارة المخيَّمات الحكوميَّة؛ كالأمن العام بجميع قطاعاته وغيره، فقد تكون مَنْسِيَّةً، وخاصة أنَّ حضورهم قبل الحجِّ يكون مبكرا وبقاؤهم بعد الحج يطول.
21. إنشاء دوراتٍ علمية في المساجد التي يَكْثُرُ بها الحجّاج وتكون فيما لا يسع المرء جهله من الدين؛ في التوحيد والفقه وغيره، وإن تَيَسَّرَ ذلك في المخيمات بأنواعها العربية وغير العربية.
22. يُشاهَد إسرافٌ كبيرٌ مؤلِمٌ جدًّا في موضوع توزيع الكتب والأشرطة، حتى تجد أن الحاجَّ منذ نزوله وهو يُكَدَّسُ بالكتب والأشرطة، حتى يَمْتَلِئَ ثم يتركها في مخيَّمه ملقاةً، فلو جعل آلية للتوزيع، من حيث ما يحتاجه الحاج عند دخوله فيُعطى وعند خروجه فيُعطى، وتوحيد الجهود في ذلك بين الشؤون الإسلامية والمؤسسات الخيرية الأخرى، من حيث مكان وزمان التوزيع والمادة الموزعة، سواء مسموعة أو مقروءة، فليكن للدعاة موقفا من ذلك بطرح ودراسة واقتراح.
23. يُلاحظ أنَّ كثيرا من الأصوات في المشاعر توجيها وإرشادا وتعليما في جميع النواحي باللغة العربية ونادرا بغير العربية. فلماذا لا يكون في مكاتب الإفتاء المنتشرة والمتنقِّلة في السيارات وغيرها التي تستخدم مكبرات الصوت إعادة التوجيه والفتوى بعدة لغات بعد ذكره بالعربية.
24. يُلاحَظ من بعض طلبة العلم والدعاة حين توضيح الفتوى الشرعية يَغْفُلُ عن جانبِ التوجيه من حيث تخويف المتعمد في فعل الخطإ، وترك الواجب بالله عز جل، وأنه يُكثر من التوبة والاستغفار، ويُذَكِّرُ الجاهل بالتعلم وسؤال أهل العلم قبل العمل، وأن يذكِّر الناسي بالتنبّه واليقظة وعدم التفريط، فلا بد من ربط القلوب بذلك، واستشعار عظمة المعبود سبحانه وتعالى، فليست القضيةُ أقوالا وأفعالا، وحين المخالفة المتعمَّدة دماء تُراق فتَنتهي القضية، ولذا نجد على عظم أعمال الحج إلا أنَّها لا تغير في سلوك الحجاج وحياتهم شيئا كبيرا بعد العودة، إلا من رحم الله.
25. يلاحظ ربْط الحجاج حين التعليم بأفعال وأقوال وحركات مجردة من معاني تحقيق العبودية لله؛ من صدق، وإخلاص، وخوف، ورجاء، ورضا في تلك الأحوال والمقامات، وتحقيق معنى الاتباع والاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام، فحَرِيٌّ بالداعية أن يربط الناس بذلك.
26. إعداد ورقة عمل بشكل أوسعَ للدعوة في الحج يقدمها الدعاة للشؤون الإسلامية.
أخيرا، داعية الإسلام: الجهد الجهد، والبذل البذل، والعطاء العطاء، وإن كَلَّتِ النفس أو أحْسَسْتَ بتعبٍ ونقْص؛ فتَذَكَّرْ حال الرسول المختار وصحبه الأبرار والعلماء الأخيار كيف بذلهم وعطاؤهم واحتسابهم. وتذكر أنها ما هي إلا أيام والجميع يَتَلَهَّفُ إلى الرحمة والتوبة والقبول، فلعلك تفوز بتلك القلوب، وترحل بها إلى علام الغيوب. فكلما خرجتَ من لقاء وحملة فإلى آخرَ، وحديث النفسِ والحال: لعلَّ في التي بعدها الأجرَ والقبول، لعلَّ في التي بعدها رجلا مسرف بالمعاصي والذنوب، أهلكته الأوزار والآصار، فتكون سببا في نجاتِه وسعادتِه وفلاحه وهدايته وصلاحه، فنعمت الغنيمة.
معشر القراء الفضلاء! نأمل المزيد من إثراء الموضوع من خلال جميع الوسائل، وَفَّقَ الله الجميع لِمَا يُحبُّه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.